تعرفت على ذلك الذي يقال عنه , خاطف النوم , تعرفت عليه و أحببته حبا جما , لقد كان شغلي الشاغل
, خبأته في أغلى مكان بجسدي , كنت أتأذى بأذيته , منحته كل ما أملك , أتعبت جسدي الهزيل , في سبيل راحته
, لقد كان جميلا , كان يمتلك وجها مشرقا مبتسما , كان لا يشبه أحدا , كان المثل الذي يقول [ يوجد من الشبه أربعين ] ,
كذبا في حقه , لم يكن له أي شبه , كان يشبه نفسه فقط , كان غيورا وحيدا , كان يكثر قول [ أنت عالمي ] ,
كانت تلك الجملة تخرق فؤادي من حسنه , لقد كان يمتلك عينين واسعتين , كلما كنت أمعن النظر إليه , أغرق فيهما
, لم يبح لي يوما بحبه , لكنه كان يلمح له بطريقة أو أخرى , فتارة يضحكني و تارة يجلب لي هدايا ,
و تارة يعاملني بعتاب فتشتد العلاقة بيننا , هو لم يسمح لي بالرحيل , و لكنه لم يدعني بالاقتراب منه
أيضا , كان غريبا , لا تشخص شخصيته بسهولة , أتذكر جيدا ذلك اليوم عندما غضبت عليه و لم أكلمه
لمدة أسبوع كامل , فقام تحديدا يوم الجمعة في الساعة الواحدة ظهرا , بإرسال رسالة محملا بالكثير من الحب و العتاب ,
قال فيه [ لقد كنت أسامحك في كل مرة تخطئين فيه , لكنك لم تسامحيني حتى على مزحة لم تكن بقصد مني ] ,
على الفور استلمت الرسالة و بادرت بالجواب و كان قلبي كل تلك المدة تتقطع شوقا للقائه , والتحدث إليه
و قلت له [ لقد كنت قاسيا جدا , أين كنت كامل تلك المدة ؟] , بنظره كانت مدة قصيرة , و لكن بنظري كانت
ستون ثانية و ستون دقيقة و أربعة و عشرون يوما و سبعة أيام مع لياليها , لقد كنت أعد ثانية ثانية لكي يعود
, كنت منغمسة في أفكاري نحوه , فقد كنت أفكر فيه حال العمل , عند النوم , و حتى عند مقابلة الضيوف ,
لقد كنت أراه في كل شخص أمامي , يا إلهي ! لقد كان مسيطرا علي بشكل سحري , أحببته حبا جما بالرغم أن يده
لم يلامس يدي , حب غريب , لكنه سطى على روحي الضعيفة , كان يمتلك نواجذا جذابة في كل مرة يتبسم
فيه تظهر فيسحب راحتي ببطء , لقد كان سارقا ماهرا , فقد سرقني , سرق روحي قبل جسمي , كان معسول اللسان
, طيب الروح , أليفا لا يألف الفحش من القول , كان مهذبا , و يصرف جل وقته بالقراءة و الدراسة , حتى وصل الموعد المنتظر ,
الوقت الذي كان لابد أن يأتي من زمن بعيد , الوقت الذي يجب علي مراجعة تلك الذكريات الجميلة , كان علي التفكير بجد
دون الانحدار في عالم الأوهام , لقد رجعني الزمن للوراء , لا بل سحبني سحبا قويا للوراء , استيقظت من حلم اليقظة
بقوة و سرعة لم أكن أتخيلها , لم أتخيل كمية الألم الذي حصدته في ليلة و ضحاها , غريب !
كيف لتلك المشاعر الجميلة أن تتحول لمشاعر دنيئة ؟
و كيف لذلك الرجل الذي خطف قلبي أن يخطف راحتي ؟
كيف لرجل جميل أن يتحول لوحش يكاد يصعب مواجهته؟
لماذا صمت ؟ لماذا لم يقل ذلك منذ البداية ؟
كانت الساعة السادسة فجرا , عندما هز هاتفي كالعادة على رسائل منه , لكن هذه المرة , كانت الرسالة غريبة عن سابقتها , لقد أضعفت بصيرتي لوهلة , و بدأ قلبي بالخفقان بشدة , و بدأت عيني بذرف الدموع الغزيرة , دون جهد مني !
كان صريحا بشكل مؤذ , وقحا لم تكن و الوقاحة من صفاته أو كانت , لكن حبه أعماني !
قال بتكبر و استعلاء في محتوى رسالته ؛
عزيزتي , لقد حان موعد سفري في بلاد أوروبية , ربما لن يكون باستطاعتنا رؤية بعضنا , أو لن نتسطيع التحدث مرة أخرى بعد الآن , لكن دعيني أوضح لك أمرا , لقد كنت طعما جميلا , أحببت الاستمتاع معه , كان أصدقائي دائما ما يلعبون الرهان معي , و كنت أنت الطعم الذي نريد أن نلعبه , بالعموم لم أستطع لمسك , لكني بالكاد لم أخسر اللعبة , طالما أني دخلت قلبك , لا أطلب منك المسامحة و لكن لا تنسيني , الوداع .
هو رحل ! رحل بكل بساطة !
رحل دون أن يعير مشاعري أي اهتمام , و كيف يعير اهتمام و هو بالأساس لم يحبني منذ البداية .
لقد انطوت صفحة من حياتي , سلبت مني الجميل , لكنه ترك لي من الحيطة و الحذر للمستقبل .